فصل: 6 - جدل القرآن واستدلاله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المعجزة الكبرى القرآن



.الإعجاز بذكر الغيب:

138 - هذا باب من أبواب الإعجاز، فيه جزء من القصص، والجزء الثاني من الأخبار التي يتحدَّث القرآن فيها عن المستقبل، فالغيب المذكور في القرآن نوعان، أحدهما غيب مضى، وهو جزء القصص، والثاني عن أمور تقع في المستقبل وكلاهما إعجاز مع البلاغة والبيان، ومع العلوم القرآنية، والأحكام التي اشتمل عليها القرآن الكريم.
ووجه الإعجاز في الماضي وقصصه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نشأ أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولم تكن نشأته بين أهل الكتاب، حتى يعلم بالتلقين علمهم، وكان قومه أميين لا يسود فيهم علم من أيّ طريق كان إلَّا أن يكون علم الفطرة والبيان، وإرهاف أحاسيسهم بالشعر والكلام البليغ، وتذوق الكلمات، والمعاني.
ولم يكن عندهم مدرسة يتعلّمون فيها، ولا علماء يتلقون عليهم, وكانوا منزوين بشركهم عن أهل الكتاب، والمعرفة في أيِّ باب من أبوابها، وكانت رحلة الصيف والشتاء إلى الشام واليمن تجاريتين، لا تتصلان بالعلم في أيِّ باب من أبوابه، ولا منزع من منازعه.
وجاء القرآن الكريم في ذلك الوسط الأمي يذكر لهم أخبار الأنبياء السابقين وأحوال أممهم معهم، وما حلَّ بالذين كفروا وضلوا، وهم يرون هذه الآثار في الأمم التي تصاقبهم.
جاء القرآن الكريم بتفصيله الصادق المحكم عن أخبار هؤلاء النبيين، وقد وافق كثير منهم الصادق عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وما اختلفوا فيه عمَّا جاء في القرآن، فإنَّ الفحص الدقيق يثبت تحريفه، وصدق القرآن الكريم، فيما حكاه الله، فإنه علام الغيوب الذي أحاط بكل شيء علمًا.
ولقد ذكر القرآن ذلك الوجه من الإعجاز، فقد قال تعالى بعد ذكر قصة مريم وكفالة نبي الله تعالى زكريا لها: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44]. فإن هذا النص يشير إلى الدلالة على أنَّ القرآن من عند الله، وعلى أنَّ ذلك النوع من العلم ما كان عند العرب، وليس لهم به دراية.
وإنه لم تذكر قصة مريم البتول في التوراة، ولا الإنجيل، ولا رسائل الرسل قط، والقرآن الكريم وحده هو الذي بيِّن اصطفاءها، وفضلها على نساء العالمين.
ويقول الله تعالى بعد قصة نوح عليه السلام: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
وفي هذه الآية والتي قبلها إشارة واضحة إلى أنَّ هذا النوع من العلم ما كان معروفًا عندهم وما كانوا يتذاكرون به.
وقد قال تعالى في ذلك أيضًا: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف: 102] فذكر القرآن أدق الأخبار، وما لا يعلمه أحد إلَّا الله تعالى.
وكان ذلك القصص الحكيم إخبارًا بالغيب الذي لا يعلمه إلَّا علَّام الغيوب دليلًا على أنه من عند الله العزيز الحكيم، وموافقته للصحيح من أخبار النبيين دليل على أن القرآن من عند الله وأنه ليس حديثًا مفترى، وليس أساطير الأولين اكتتبها ولا يمكن أن تملى عليه، ولا يوجد من يمليها عليه، وإذا كانوا قد ادَّعَوْا أنه تلقاها من بعض الناس في مكة، فهو لم يثبت اتصاله به، ولسانه أعجمي، وهذا كتاب عربي مبين، وفوق ذلك ففي القرآن من صادق الأخبار ما لم يكن في كتب أهل الكتاب المسطورة، ولا يأتيه الباطل فيما يقول.
139 - هذه الأخبار عن الماضي يشتمل عليها القرآن الكريم، وهي فيما احتوت دليل قاطع على أنَّ القرآن من عند الله؛ إذ جاء بها أمي لا يقرأ ولا يكتب، كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48].
وأمَّا الإخبار عن أمور وقعت في المستقبل كما أخبر القرآن الكريم، وما كان لأحد أن يعلمها إلَّا من قِبَل العليم الحكيم اللطيف الخبير، الذي لا يغيب عن علمه شيء في السماء ولا في الأرض فهو كثير.
ومن ذلك إخبار القرآن عن هزيمة الفرس بعد غلبهم، فقد قال سبحانه: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 1 - 4].
وقد حدث ما أخبر به القرآن، فقد دارت رحا الحرب من بعد ذلك وهزم الفرس في بضع سنين, وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ممن حضر هذه الحرب, وعرف سبب الغلب، وما يتوقع من بعده، وقد تفاءل المشركون من هزية الروم وهم أهل كتاب، وعلو الفرس وهم أهل شرك، وحسبوا من ذلك أن دعوة محمد مآلها الخسران، وشأنهم في ذلك هو شان الذين يبنون علمهم غلى الأوهام، وتخيل ما يحبون.
ومن ذلك أيضًا ما كان قبيل غزوة بدر الكبرى؛ إذ يقول - سبحنه وتعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: 7] لقد خرجت قريش بعيرها التي كانت فيها ثروة قريش كلها، وأراد المؤمنون أن يترصَّدوها مضايقة للكفار، وأن يأخذوها نظير ما أخرجوا المؤمنين من ديارهم وأموالهم، ولكنَّ أبا سفيان التوى عن طريق يثرب، ونجا بالعير، وكان قد طلب إلى قريش أن ترسل جيشًا يحمي عيرها، ويغزو موطن الخطر، فكانت المعركة، فهم أرادوا ابتداءً العير، وليست ذات الشوكة، وأراد الله تعالى الجيش، وكان ذات الشوكة.
وما كانوا يتوقّعون النصر على المشركين، ولكنها حرب الفداء للعقيدة، لا ينظر فيها إلى الاستيلاء، بل ينظر فيها إلى الاستشهاد، ولكن الله تعالى أخبرهم بالنتيجة قبل وقوعها، فقال - تعالت قدرته: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] فكان هذا إخبارًا بمغيب لم يكن إلّا في علم الله تعالى.
ومن ذلك إخباره عن اليهود بقوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} [البقرة: 96].
ويقول تعالى عن المشركين أنَّهم عاجزون عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، وقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: 24].
وهكذا تجد في القرآن أخبارًا عن أمور قابلة وتقع كما أخبر، وصدق في ذلك كله، وذلك لا يكون إلَّا من عند الله، ولا يمكن أن يكون بالتقدير الشخصي أو الحدسي، فإن ذلك يصدق أحيانًا ويكذب أحيانًا، والأمر هنا كله صدق لا تخلف فيه، وكان دليلًا على أنه من عند الله الحليم الخبير اللطيف البصير، أودعه كتابه الكريم.

.6 - جدل القرآن واستدلاله:

140 - القرآن كل ما فيه معجز، فإيجازه معجز، وإطنابه معجز، وألفاظه معجزة، وأساليبه معجزة، ونغماته ونظمه وفواصله، كل هذا معجز، واستدلاله وجدله وبيانه لا يصل إلى درجته نوع من الكلام، وقد ساق الإمام الباقلاني طائفة من خطب العرب، وأهل اللسن، وأهل الإيمان، طائفة من أبلغها وأقواها، ووازن بينها وبين إلزام القرآن وإقناعه واستدلاله، فوجد أن الموازنة غير لائقه بذات القرآن، والفرق بين القرآن وكلام أعلى أئمة البيان يجعل الموازنة غير مستقيمة، والفرق بينها وبين القرآن هو كالفرق بين الخالق والخلوق؛ لأنه فرق بين كلام الخالق وكلام المخلوق.
ولعله من الخير أن ننقل تلك الخطبة التي اعتبرها الباقلاني من أعلى ما عرف من بليغ القول، وهي رثاء علي بن أبي طالب - كرَّم الله وجه - لخليفة رسول الله أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه:
(لما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه ارتجَّت المدينة بالبكاء كيوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عليّ باكيًا متوجعًا، وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة.
رحمك الله أبا بكر، كنت إلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنسه وثقته، وموضع سره، كنت أول القوم إسلامًا، وأخلصهم إيمانًا، وأشدهم يقينًا، وأخوفهم لله، أعظمهم عناء في دين الله، وأحوطهم على رسول الله، وأثبتهم على الإسلام، وأيمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم سننًا وهديًا، ورحمة وفضلًا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده.
فجزاك الله عن الإسلام ورسوله خيرًا، كنت عنده بمنزلة السمع والبصر، صدَّقت رسول الله حين كذَّبه الناس، فسماك في تنزيله صديقًا، فقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} وآسيته حين بخلوا، وقمت معه عند المطاردة حين قعدوا، وصحبته في الشدائد أكرم الصحبة، ثاني اثنين، وصاحبه في الغار، والمنزل عليه السكينة والوقار، ورفيقه في الهجرة، وخليفته في دين الله وفي أمته أحسن الخلافة حين ارتدَّ الناس، فنهضت حين وهن أصحابك، وبرزت حين استكانوا، وقويت حين ضعفوا، وقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تعتوا ومضيت بنور إذا وقفوا، واتبعوك فهدوا، وكنت أصوبهم منطقًا، وأطولهم صمتًا، أكثرهم رأيًا، وأشجعهم نفسًا، وأعرفهم بالأمور، وأشرفهم عملًا، كنت للدين يعسوبًا. أولًا حين نفر عنه الناس، وأخيرًا حين قفلوا. وكنت للمؤمنين أبًا رحيمًا؛ إذ صاروا عليك عيالًا، فحملك أثقال ما ضعفوا عنه، ورعيت ما أهملوا، وحفظت ما أضاعوا، شمرت إذا خنعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت أوتار ما طلبوا، وراجعوا رشدهم برأيك فظفروا، ونالوا بك ما لم يحسبوا.
وكنت كما - قال رسول الله - آمن الناس عليه في صحبتك، وذات يدك، وكنت كما قال ضعيفًا بدنك، قويًّا في أمر الله، متواضعًا في نفسك، عظيمًا عند الله، جليلًا في أعين الناس، كبيرًا في أنفسهم.
لم يكن لأحد فيك مغمز، ولا لأحد مطمع، ولا لمخلوق عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قويّ عزيز حتى تأخذ له حقه، والقوي العزيز ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، القريب والبعيد عنك سواء، أقرب الناس إليك أطوعهم لله، شأنك الحق والصدق، والرفق، وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم، فأبلغت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفأت النيران، واعتد بك الدين، وقوي الإيمان، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وأتعبت من بعدك إتعابًا شديدًا، وفزت بالخير فوزًا عظيمًا، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثلك أبدًا، فألحقك الله تعالى بنبيه، ولا حرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك.
وسكت الناس، حتى انقضى كلامه، ثم بكوا حتى علت أصواتهم).
141 - هذه خطبة من عيون البيان العربي، بل لعلها أبلغ خطبة بعد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن وضعناها بجواز القرآن أَفََلَت، كما تختفي النجوم إذا طعلت الشمس، وأصبحت لا تساوي بجوار القرآن شيئًا، وإن الذين يسيئون إلى كل كلام بليغ مهما تكن درجته هم الذين يضعونه بجوار القرآن، وأنَّى يكون كلام بجوار كلام خالق البشر، وأنَّى يكون كلام ابن الأرض بجوار كلام الله في اللوح المحفوظ.
وإننا مهما نحاول تعارف أسرار البلاغة في القرآن فلن نصل إلى كلام محكم، كمن يحاول معرفة الروح، فهي من أمر الله تعالى، نعرف مظاهر الحياة منها ولكن لا نعرف كنهها، فنحن نعلم علوّ القرآن وإعجازه وامتيازه، وأنه لا يحاكى، ولكن لا نستطيع أن نعرف سرّ هذه الروعة التي يحسها كل قارئ مدرك.
ولعلَّ من التوفيق للباقلاني أن جاء بأبلغ كلام ووضعه بجوار كلامه سبحانه، فبدا بجواره هزيلًا، مهما تكن درجته في البيان، وذلك أمر ظاهر، لم يجئ الإعجاز بصرف، ولكن بإدراك المقام البلاغي للقرآن، وإن لم يعرف السر كاملًا.
ونعود إلى ذات الخطبقة نجدها صادقة كل الصدق في وصف أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها وصلت إلى أقصى الغاية في مناقبه، وفي مقامه من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مواقفه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومواقفه إذ انتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، فقد أنقذ الإسلام عند الصدمة الأولى، وهي حالة الردة.
والخطبة العلوية هذه فيها وصف الحاكم العادل، كيف يكون رحيمًا برعيته، مصدر أمن لا مصدر إزعاج، متطامنًا لهم، قريبًا من أنفسهم، لا يطمع القوي في حيفه، ولا ييئس الضعيف من عدله.
وقد ذكرنا هذه الخطبة أيضًا لنشير إلى الينابيع البيانية التي استقى منها القول في إعجاز القرآن، وهو أساس لكل كلام محكم.
ومن معرفة بلاغة القول أن نعرف المواضع التي بنى عليها الاستدلال، ونحن هنا نريد ابتداء أن نعرف المنهاج القرآني للاستدلال، والأصول التي بنى عليها استدلاله في نظرنا القصير، وإن كان في كل ما يتعلق بالبيان عن المثيل، ولا يمكن أن يكون له مثيل.
142 - وإن رجال البيان في بيان مناهج الخطب واستدلالها يتكلَّمون في الينابيع التي يستقي منها الخطيب أدلته أو براهينه، ونحن مع إقرارنا بأن منهاج القرآن أعلى من الخطابة، كما هو أعلى من الشعر والسجع، نرى أن نستعير من علماء البلاغة كلامًا في مصادر الاستدلال، ونريد أن نتعرَّف المصادر الذاتية التي بنى القرآن الكريم استدلاله عليها، وإن كان مقامه أعلى وأعظم، وهو معجز في ذاته، وليس ككلام البشر، وإن بنى على حروف البشر وألفاظهم، ومن جنس كلامهم.
ويقولون: إن الاستدلال الذي يستمد من مصادر ذاتية، أي: تؤخذ من ذات الموضوع، وهي أشبه بالبرهان المنطقي، وإن كانت أعلى، وهي ستة مواضع أو ينابيع:
أولها التعريف أي: معرفة الماهية، وثانيها التجزئة بذكر أجزاء الموضوع، وثالثها التعميم ثم التخصيص، ورابعها العلة والمعلول، وخامسها المقابلة، وسادسها التشبيه وضرب الأمثال.